السر الكبير: لماذا تخزن وول ستريت الذهب بجنون؟

السر الكبير: لماذا تخزن وول ستريت الذهب بجنون؟

هناك تطورات كبيرة تجري في سوق الذهب، ولكن لا أحد يتحدث عنها بشكل كافٍ. طوال الفترة الماضية، كنا نعلم أن البنوك المركزية تقوم بتخزين كميات كبيرة من الذهب استعدادًا لاحتمال إعادة ضبط النظام المالي. ولكن المفاجأة الكبرى الآن هي أن وول ستريت بدأت فجأة في تكديس الذهب المادي أيضًا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي يعرفونه ولا نعرفه؟ وما الذي يستعدون له تحديدًا؟

في الأسبوع الماضي، شهدت الأسواق فضيحة كبيرة في بنك إنجلترا حيث ارتفع وقت الانتظار لسحب الذهب من بضعة أيام إلى عدة أشهر. كان الأمر أشبه بهجوم على البنك، ولكن بدلاً من سحب النقود، كان الطلب الهائل موجهًا نحو الذهب. هذه الأزمة ليست حدثًا منفصلًا، فبالتزامن مع ذلك، شهدنا فجوة متزايدة بين أسعار الذهب الفوري وأسعار العقود الآجلة، وهي فجوة لم نشهد مثلها منذ عام عندما كاد النظام المالي أن ينهار. رغم ذلك، يُقال لنا إنه لا يوجد ما يدعو للقلق، وأن هذه مجرد مشكلات لوجستية تتعلق بالتعريفات الجمركية. ولكن إذا كان هذا صحيحًا، فلماذا تتسع الفجوة بين الأسعار؟ ولماذا تقوم المؤسسات المالية الضخمة في وول ستريت بتخزين الذهب وكأنها تستعد لحدث غير متوقع؟ إذا كانوا يتجهزون، فقد يكون من الحكمة أن نستعد نحن أيضًا.

لفهم ما يجري، من المهم أن نعرف كيف يتم تحديد سعر الذهب الفوري الذي نسمع عنه في الأخبار. هذا السعر عادةً ما يستند إلى بورصة كومكس أو بورصة نيويورك للسلع الأساسية، والتي تعمل بنظام الاحتياطي الجزئي، تمامًا مثل البنوك التقليدية. بمعنى آخر، هناك كميات ضخمة من العقود الورقية والمشتقات التي تمثل الذهب أكثر بكثير من الذهب الفعلي المتوفر في خزائنها. هذا النظام يسمح للبنوك الكبرى بإغراق السوق بعقود ورقية لا تنوي تسليمها فعليًا، مما يؤدي إلى قمع سعر الذهب الحقيقي وإيهام المستثمرين بوجود معروض أكبر مما هو متاح فعليًا.

عادةً ما تعمل هذه الخدعة لأن معظم المتداولين لا يطلبون استلام الذهب المادي، بل يكتفون بالتداول على الورق. ولكن الآن، ظهرت أزمة حقيقية، حيث باتت عمليات سحب الذهب من بنك إنجلترا تستغرق وقتًا أطول بكثير من المعتاد، ما يعني أحد أمرين: إما أن المخزون الفعلي من الذهب غير كافٍ لتغطية الطلب، أو أن هناك زيادة مفاجئة وضخمة في عمليات السحب. في الحالتين، هذه ليست علامة إيجابية على الإطلاق.

في الوقت نفسه، شهدت خزائن كومكس في نيويورك تدفقات ضخمة من الذهب القادم من بنك إنجلترا، حيث ارتفعت حيازاتها الفعلية من الذهب بنسبة كبيرة منذ شهر نوفمبر. ويُقال إن السبب في ذلك يعود إلى محاولة المتداولين تجنب التعريفات الجمركية. هذا قد يكون صحيحًا إلى حد ما، ولكن عندما نلقي نظرة على فارق الأسعار بين الذهب الفوري والعقود الآجلة، يتضح أن هناك ما هو أعمق من ذلك.

عادةً ما يكون الفارق بين السعر الفوري والعقود الآجلة بضعة دولارات فقط، لكن هذه الفجوة بدأت تتسع لتصل إلى أكثر من أربعين دولارًا. ربما يبدو هذا الرقم صغيرًا، ولكنه مؤشر على أزمة حقيقية. نظريًا، عندما يكون السعر الآجل أعلى بكثير من السعر الفوري، يجب على المتداولين الاستفادة من هذه الفرصة عبر شراء الذهب الفوري وبيعه في العقود الآجلة لتحقيق أرباح مضمونة. ولكن السبب في عدم قيامهم بذلك هو ببساطة أنهم غير واثقين من أن الذهب المطلوب سيتم تسليمه في المستقبل.

الأمر أصبح أكثر إثارة للقلق عندما شهدت بورصة كومكس واحدة من أكبر عمليات التسليم في تاريخها، حيث تم تسليم أكثر من خمسة مليارات دولار من الذهب خلال فترة قصيرة، وهو رقم غير معتاد، خاصةً في أشهر التداول الثانوية. عادةً ما تكون هذه المستويات من الطلب محصورة في الأشهر الرئيسية، ولكن في هذه المرة، استمر الطلب القوي طوال الشهر، مع إبرام عقود جديدة للاستلام بشكل غير مسبوق. هذا يشير إلى أن هناك جهة ما، ربما أكثر من جهة، تقوم بجمع كميات هائلة من الذهب بهدوء.

بعض المحللين يعتقدون أن هؤلاء المشترين لا يسعون فقط إلى التحوط من المخاطر، بل إنهم في الواقع يحاولون دفع بورصة كومكس إلى نقطة الانهيار. فإذا لم تتمكن كومكس من تلبية طلبات التسليم، فإن النظام بأكمله سينكشف على حقيقته كاحتيال، وسيُجبر السوق على إعادة تسعير الذهب وفقًا للعرض والطلب الفعليين، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

المرة الأخيرة التي شهدنا فيها سيناريو مشابهًا كانت خلال الأزمة التي شهدها عام عندما كان الطلب على الذهب مرتفعًا، وكانت البنوك تتلاعب بالسوق عبر إصدار عقود ذهب ورقية دون غطاء فعلي. وعندما أغلق العالم فجأة بسبب الجائحة، لم تكن هناك قدرة على توفير الذهب المطلوب، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين السعر الفوري والعقود الآجلة إلى أكثر من مئة دولار. في النهاية، تمكنت البنوك من تجنب الانهيار عبر عمليات تسليم طارئة، ولكن الفرق هذه المرة هو أنه لا توجد أزمة لوجستية تبرر ما يحدث اليوم.

ما نعرفه الآن بشكل مؤكد هو أن الذهب يتم تكديسه في وول ستريت بمستويات قياسية، وأن هناك جهات غامضة تشتريه بكميات هائلة، وأن التعريفات الجمركية ليست السبب الوحيد لهذا النشاط غير المعتاد. التفسير الأكثر منطقية هو أن هناك تآكلًا متزايدًا في الثقة بالنظام المالي والدولار الأمريكي، وأن الجميع يتجهون إلى الذهب لضمان امتلاكهم لمخزن آمن للقيمة.

لكن هناك احتمال آخر، وهو أن هذه التحركات تمهد الطريق لشيء أكبر. قد يكون هناك توجه لإعادة تقييم الذهب ورفع سعره إلى قيمته الحقيقية، ما سيفيد الدول والبنوك المركزية التي تمتلك كميات ضخمة منه. وقد يكون هذا جزءًا من خطة لإرساء نظام نقدي جديد مدعوم بالذهب، خاصةً مع تراجع الثقة في الائتمان الحكومي الأمريكي.

مهما كان السبب الحقيقي وراء هذه التحركات، هناك أمر واحد مؤكد: الذهب لا يكذب، ودائمًا ما يكون في قلب أي نظام مالي جديد. عند حدوث الاضطرابات، فإن الذهب الورقي لن يكون ذا قيمة، بل سيكون الذهب الفعلي هو الملاذ الآمن الحقيقي. لذا، إذا كنت ترغب في حماية نفسك من أي تغييرات قادمة، فإن امتلاك الذهب المادي قد يكون أفضل استراتيجية.

التاريخ يخبرنا بأن الذين يحتفظون بالأصول الحقيقية، مثل الذهب والفضة، هم الذين ينجون في فترات إعادة ضبط النظام المالي، بينما أولئك الذين يعتمدون على الأصول الورقية يخسرون كل شيء. والسؤال هنا ليس ما الذي يستعدون له، بل ما الذي تستعد له أنت؟

إذا لم تكن قد وضعت استراتيجية بعد، فربما يكون هذا هو الوقت المناسب. لا تنتظر حتى فوات الأوان، فالمعرفة واتخاذ الإجراءات هما مفتاح الحماية في الأوقات العصيبة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *